2021-04-14

المحامي فواز الخطيب يدعو لإلغاء قانون عقوبة المجاهرة بالإفطار

دعا المحامي فواز خالد الخطيب من مجموعة طاهر القانونية إلى إعادة النظر بقانون المجاهرة بالإفطار، معتبراً أنه قانون غير حقوقي أو إنساني أو منطقي علاوة على وجود شبهة دستورية تكتنفه.


وبين الخطيب بأن القانون رقم 44 لسنة 1968 بشأن المجاهرة بالإفطار في رمضان يعاقب بالحبس لمدة قد تصل لشهر بسبب الإجهار في مكان عام بالإفطار في نهار رمضان، مشيراً أن هذه العقوبة تنطبق سواء أكان الشخص مسلماً أو غير مسلم، كأن يكون مسيحياً أو من أي دين آخر أو ولو كان لا يعتقد بدين، موضحاً بأن التشريع تضمن في مذكرته تفسيريه على مُبررات أساسها أن دين الدولة هو الاسلام ويتوجب مراعاة النظام العام على جميع سكان الكويت، وأنه جاء حفاظاً على أحاسيس أهل الكويت والتمسك بالدين والقيم الاسلامية، وأن الإفطار في الاماكن العامة يؤذي شعور المسلمين، مضيفاً بأن التشريع ينطبق حتى لو كانت هذه المجاهرة مِمن له عذر في افطاره!

وأشار الخطيب بأنه يتكرر تطبيق هذا القانون على الأجانب غير المسلمين، مستذكراً ما حدث منذ سنوات لطبيبه أجنبية غير مسلمة أتت في رمضان لدولة الكويت لأول مره للعمل وبعد خروجها من المطار كانت تتناول الطعام في تاكسي الأجرة فاستوقف المركبة شرطي وأحالها للتحقيق بسبب مجاهرتها بالإفطار في رمضان وحبست على ذمة القضية، وبعد الإفراج عنها قررت مباشرةً مغادرة دولة الكويت لتفاجئها بالإجراءات التي اتُخذت بحقها وبجهلها بالإسلام كدين وعدم وجود توعية بمثل هذا القانون، موضحاً بأن هذه القضية وقضايا عديدة أخرى مُماثلة "تجعلنا كحقوقيين ندعو إلى إلغاء هذا التشريع،" مبيناً وجود خمسة مبررات بموجبها يتوجب إعادة النظر في هذا القانون.

وبين الخطيب بأن المبرر الأول هو مخالفة القانون للمواد 7 ، 30 35 و36 و 175 من الدستور حيث أن هذا التشريع يتعارض مع المبادئ التي قررها الدستور وأهمية أن الحرية الشخصية مكفولة، وأن غاية الدستور تحقيق العدالة، وحرية الاعتقاد المطلق مكفولة للأديان السماوية حتى ولو كان الشخص لا يعتقد بأي دين، مشدداً على أن الدستور لا يتجزأ ومبادئ الحرية والمساواة تطبق على كافة الأشخاص باختلاف أديانهم ولا تعديل إلا للمزيد من الضمانات والحريات، وموضحاً أيضاً بأن الحجة المركزية في قانون المجاهرة معيبة حينما تكون سلطة القانون غرضها فرض المعتقدات الدينية على غير مسلم، الأمر الذي يشكل نوع من المغالاة والمبالغة في فرض العقيدة باستخدام القانون.

وعن المبرر الثاني، قال الخطيب أنه القانون يخالف مفهوم الدولة المدنية وطبيعة المجتمع المتنوع، مبيناً بأن الكويت دولة مدنية أي أنها تحمي جميع أعضاء المجتمع وتحافظ عليهم بشكل متساوِ بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم الدينية والفكرية، وتحث على وحدتهم وتماسكهم، فهي دولة دستور ومؤسسات تستوعب العنصر الأجنبي ولا تقصيه، مشيراً إلى وجود بنوك تقليدية وربوية وكذلك شركات تأمين في الكويت، كما أن الدولة تتعاقد مع جيش أجنبي غير مسلم لفرض الحماية وغيره وكل هذه المظاهر تُأكد انفتاح الدولة وتقبلها للتنوع العالمي.

وأضاف الخطيب بأن المبرر الثالث يتمحور حول مخالفة القانون للمنطق السليم حيث أنه من غير المقبول فرض التعاليم والفرائض الدينية على غير المسلمين وإكراههم بالامتناع عن القيام بتصرفات لا تمت لدينهم ومعتقداتهم بصلة، موضحاً بأن "مشاعرنا كمسلمين لن تخدش في حال تناول غير المسلم الطعام أمامنا، فالكويتيون يسافرون لدول اجنبية ويصومون ويقومون بشعائرهم وأعتقد بأن فرض الإسلام على غير المسلم هو في حقيقته مخالف لمفهوم السلام الديني والأخلاقي والرسائل والقيم الإسلامية القيمة التي نصفها بأنها تتمتع بالصلاحية العالمية للإنسان، ويفترض الدعوة والوعظ دون استعمال وسائل الاكراه في فرض المعتقد في ظل وجودنا في دولة مدنية.

كما تناول الخطيب موضوع العذر الشرعي كالسفر والمرض والعذر النسائي، مشيراً إلى أن الكويت لا تفرض أركان الدين كالصلاة بأوقات الأذان وغيرها ولا تمنع الربا، متسائلً كيف "نجبر الغير على فرائضنا بسبب مشاعر لن تمس بأي حال بسبب الصوم الذي هو حكمته الشعور بالفقير والصبر على الطعام والشراب ومجاهدة النفس." وأشار الخطيب أيضاً إلى وجود اختلاف بين مذاهب الدين الإسلامي بالدولة مثل اختلاف موعد بدء رمضان لدى أتباع المذهب الجعفري واتباع المذهب السني كما قد يختلف موعد وقت الإمساك والإفطار بين المذاهب.

واعتبر الخطيب بأن المبرر الرابع هو مخالفة القانون للتوجه الاقتصادي التنموي، خاصة وأن الدولة تنادي وتشجع الاستثمار المباشر من الشركات العالمية الأجنبية، "ولدينا في الكويت وافدون يصل عددهم لثلاثة ملايين وافد العديد منهم من غير المسلمين ومن شتى دول العالم، وعليه يتوجب خلق بيئة عمل مناسبة لاسيما في ظل وجود عجز مالي لسداد الرواتب وخطر حقيقي بعدم تنوع مصادر الدخل وشح في الخبرات المهنية الأجنبية في سوق العمل المتخصص،" مشيراً إلى أن العديد من الوافدين غير المسلمين يعملون بأماكن عامة تحت أشعة الشمس وبدرجات حرارة عالية وحارقة في نهار رمضان، ولساعات طويلة ومن الغير منطقي منعهم من تناول الشراب والطعام رغم أنهم غير مسلمين لاسيما من يعمل في بناء الجسور والمقاولات والتنظيف، مبيناً بأن إصدار السلطة قرارات بشأن إغلاق المطاعم ومنع التوصيل بنهار رمضان أمر غير مبرر، "فهل مثل تلك القوانين والقرارات توفر بيئة ملائمة ومشجعة للشركات والمستثمرين والأجانب غير المسلمين في دولة الكويت؟ بل هي بيئة عمل طاردة للعمالة الأجنبية الماهرة وللمستثمرين.

وحول المبرر الخامس، قال الخطيب إن العديد من القوانين المقارنة في بعض الدول الإسلامية لا تجرم الفعل أو أنها على أقل تقدير أقل وطأة في تجريمه، مستشهداً بدول مثل سلطنة عمان ووفق قانون الجزاء رقم 7/74 في المادة (312) تكون العقوبة حدها الأقصى الحبس (10 أيام) أو الغرامة في حال نقـض الصيام علناً في شهر رمضان وتطبق على المسلمين فقط إذا لم يكن لديهم عذر شرعي، وكذلك في المغرب حيث يعاقب القانون كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان دون عذر شرعي، وفي البحرين وفقاَ للمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1976 نصّت المادة (309) بان العقوبة على المسلمين والملل المعترف بها وفق وصف المشرع، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المملكة العربية السعودية قلصت من دور لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتبعت سياسة الانفتاح الاقتصادي وتعزيز السياحة والترفيه بصفة عامة.

وأضاف الخطيب مؤكداً على أن البشر مُتساوون أخلاقيًا ويتمتعون بالاستقلالية، وأن الواجب الذي يُستمد منه واجب الطاعة يمكن أن يكون واجبًا أخلاقيًا عاماً يُعزز العدالة والحياد، وليس من العدالة والحياد في شيء مُعاقبة غير المسلم بسبب تناوله الطعام في مكان عام بسبب يتعلق بالشعور والذوق، مشيراً إلى أن فرض قوانين دينية وجه من أوجه القسر الذي يَتسبب بتصدر حالة النفاق في المجتمع باعتباره إجبارا بإظهار مُمارسة دينية على غير ما يَعتقد الشخص أو على غير حالته الصحية أو على غير ما يختار وهو ما يؤدي لحالة من النفاق أو العناد، ومن الأجدى النصح والتقويم الاجتماعي لأن العبادات لا تقوّم بالقوانين، مشيراً إلى أن سُلطة القانون غير مُقنعة وليست مِعياراً لسيادة القوانين العامة والمجردة بشكل متساو لتعارضها مع حقوق بسيطة، إنما حدود المُجاهرة يجب أن يكون النقد الاجتماعي للمُسلم المفطر فقط بغير عذر.

كما اشار الخطيب إلى أن التبريرات لإطاعة القانون والإكراه به واستخدام القوة مبناها تطبيق مبدأ الإنصاف والعدل والحرية والدعم للمؤسسات والمصالح الوطنية في سياق القيمة الأوسع، والحد من العواقب السلبية المحتملة للعصيان للنظام السياسي، معتبراً أن كل ما سبق "يغيب في هذا القانون الوضعي المزاجي العقيم، وعليه يجب التحول من المركزية العقائدية للمعتقد الديني إلى التعددية المتأصلة في المظاهر الاجتماعية والثقافية والتنوع المجتمعي الهائل."

وختم الخطيب مؤكداً على أن هذا الرأي يبقى في حدود الحوار والدستور الذي كفل لكل إنسان حق التعبير، "ونرى أن القانون الحالي لا يهتم بالصورة الأكبر للموضوع إلا أنه واجب الامتثال غير الطوعي والاحترام وملزم للكافة ما لم يعدل أو يلغى.