2021-08-12

شبح الانهيار يواجه آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة بالكويت

قد تواجه آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة بالكويت شبح الانهيار بعد أن ألحقت بها الجائحة ‏ضررا بالغا، وهو ما قد يوجه ضربة شديدة لقطاع يشكل ركيزة في مساعي البلاد لإعادة ‏صياغة اقتصادها التقليدي المعتمد على النفط.


وطوال العقد الماضي شجّعت الحكومة، التي تنفق أكثر من نصف ميزانيتها السنوية على رواتب ‏الكويتيين الذين يعمل أغلبهم في وظائف حكومية، مواطنيها على إقامة مشاريعهم الخاصة في ‏محاولة منها لخلق قطاع خاص قوي بالبلاد.‏

وكان الهدف هو تخفيف العبء على الميزانية العامة للدولة، وتقليل الاعتماد على العمال الوافدين ‏الذين يشكلون معظم السكان، وكذلك مساعدة الكويت على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، الذي ‏يوفر 90 في المئة من إيرادات الدولة، ولكنه يبقى غير مستقر بشكل متزايد في عالم يبتعد عن ‏الوقود الأحفوري.‏

واليوم تبدو كل الجهود التي تم بذلها طوال العقد الماضي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ‏والتي تضمنت انفاق نحو 500 مليون دولار من التمويل الحكومي على هذه الشركات، عرضة ‏للضياع بسبب جائحة كورونا، وفقا للعديد من خبراء هذا القطاع.‏

وقالت شركة المركز المالي الكويتية إن معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يتراوح عددها ‏بين 25 و30 ألف شركة كانت تعمل باحتياطيات نقدية محدودة وحين انتشر الوباء، تأثر جزء ‏كبير من القطاع لأنه لم يكن مستعدا للتعامل مع توقف العمليات الناتج عن الإغلاق.‏

ويرى مسؤولون في القطاع ومحللون أن الأزمة تهدد أيضا برفع معدلات البطالة في ظل تسريح ‏العمالة، على الأخص الكويتية، من المشروعات التي تعاني من مصاعب ممّا سيؤدي إلى ‏إجهاض مساعي الحكومة لإحلال المواطنين محل العمالة الوافدة في كثير من الوظائف التي ‏يعتمد عليها الاقتصاد بالقطاع الخاص.‏

ويتركز الجزء الأكبر من الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تساهم بنحو 11.9 في المئة من ‏الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة المضافة الإجمالية، في تجارة الجملة والتجزئة والضيافة والأغذية ‏والمشروبات، فضلا عن قطاعي البناء والصناعة.‏

وقال محمد البلوشي (36 عاما)، مالك إحدى المشروعات الصغيرة المتخصصة في البناء الذكي ‏وتجهيز عربات الطعام، لوكالة "رويترز" إنه "تكبد خسائر فادحة خلال الوباء واضطر إلى ‏تسريح معظم موظفيه".‏

وذكر البلوشي أن المشروع كلفه 800 ألف دينار (2.66 مليون دولار)، نصفها كان تمويلا ذاتيا ‏ونصفها بتمويل من الصندوق الكويتي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو مهدد الآن ‏جراء رفع العديد من الدعاوى القضائية بحقه، بسبب عدم قدرته على سداد الالتزامات المالية ‏لمشروعه الذي بدأ منذ أربع سنوات.

أضاف خلال مقابلة في مصنعه المتعثر متصفحا الرسائل النصية التي تصل لهاتفه المحمول من ‏الجهات القضائية بشأن القضايا المرفوعة ضده "نطالب بوقف الأحكام القضائية.. عليَّ قضايا... ‏قضايا كبيرة.. اليوم أنا خسران 800 ألف دينار كويتي.. ليس هناك مساعدات من الحكومة، ‏وليس هناك مساعدات من مجلس الأمة".‏

واضطر البلوشي إلى تسريح الغالبية العظمى من 60 عاملا كان يوظفهم قبل الجائحة لكنه قال ‏‏"لن أستسلم... سوف تُفرج بإذن الله".‏

والبلوشي واحد من أصحاب المشاريع الذين وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان، بسبب فرض ‏إجراءات الإغلاق وحظر التجول ضمن قيود لمكافحة فيروس كورونا، في الوقت الذي كانوا ‏مطالبين فيه بسداد رواتب الموظفين وإيجارات العقارات ومستحقات الموردين، وغيرها من ‏الالتزامات التي لم يقدر كثير منهم على الوفاء بها.‏

صدمة مزدوجة

وتعرّضت الكويت، مثل غيرها من الدول المصدرة للنفط في المنطقة، لصدمة مزدوجة من ‏انخفاض أسعار النفط ووباء كوفيد-19، مما أدى إلى انكماش اقتصادها بنسبة ثمانية في المئة ‏العام الماضي.‏ وواجهت البلاد العام الماضي أزمة سيولة مالية، تفاقمت بسبب الخلاف المستمر بين الحكومات ‏والبرلمانات المتعاقبة، لا سيما بشأن مشروع قانون الدين العام الذي سيسمح للحكومة بالاقتراض ‏من الخارج.‏ ورغم أن ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة ساهم في التخفيف من حدة الأزمة لكنها لا تزال ‏قائمة وعرضة للتكرار حال انخفاض أسعار النفط مستقبلا.‏

وأقرّ البرلمان الكويتي قانونا لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في 30 آذار (مارس)، لكن ‏أرباب الأعمال ومصدرا حكوميا قالوا إن القانون تأخر كثيرا.‏
ويتيح القانون للمتضرّرين من الوباء من أصحاب المشروعات الحصول على تمويل يصل إلى ‏‏250 ألف دينار تضمن الحكومة 80 في المئة منه. لكن يشكو كثيرون من الشروط الصعبة التي ‏تفرضها البنوك للحصول على التمويل طبقا للقانون، ومن بينها إثبات الكفاءة التشغيلية للمشاريع ‏التي توقف بعضها منذ أكثر من عام.‏

وقال مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه إن "ثمة عزوفا من أرباب المشروعات عن الاستفادة ‏من القانون لأسباب عدة أهمها أن التمويل يُقدم كقرض وليس كتعويض مالي عن الأضرار، كما ‏أن الحكومة تضمن 80 في المئة من التمويل فقط وليس المبلغ بالكامل بالإضافة إلى أن فترة ‏السداد محدودة ولا تتجاوز خمس سنوات، وتؤدي إلى زيادة الالتزامات الشهرية، ما قد يعني ‏مزيدا من التعثر".‏

وذكر المصدر الحكومي أيضا أن القانون يقصر استخدام التمويل على تغطية العجز في النفقات ‏التشغيلية التعاقدية مثل الرواتب والإيجارات والالتزامات الأخرى لكنه لا يسمح بغير ذلك مثل ‏استثمار جزء من المبلغ.‏

وحول إمكانية تعديل القانون، قال المصدر "بالتأكيد ستتدخل الحكومة لتعديل القانون في حال ‏تطلب الأمر ذلك وسيكون بالاتجاه الذي سيدعم أصحاب الأعمال".‏

أما عن إمكانية تقديم تعويضات لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة قال إن "جميع ‏الحلول متاحة أمام الحكومة لدعم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة لما يتمتع به هذا ‏القطاع من أهمية قصوى وكونه دعامة للاقتصاد الوطني".‏

كما لفت مصدر حكومي آخر طلب عدم نشر اسمه إلى أن القانون كان يقتصر على معالجة ‏الأوضاع القائمة عندما تم اقتراحه في أيار (مايو).‏

أضاف أن الأوضاع حاليا تغيرت متابعا "الآن بعد مرور سنة ونصف على الأزمة، كثير من ‏هؤلاء المتضررين تغيرت أوضاعهم... أغلقوا أعمالهم أو سرحوا العمالة أو اقترضوا من الأسرة ‏أو باعوا أصولا".‏

وقال محمد عدنان المسلم مدير ومؤسس حاضنة أعمال إن "أصحاب المشاريع الصغيرة ‏والمتوسطة ليسوا بحاجة إلى قروض وإنما إلى تعويضات".‏

وتابع "القروض أهلكت الناس. الناس تريد تعويضا عن فترة الجائحة، وهذا منصوص عليه في ‏الدستور".‏

وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية التقط أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بعض أنفاسهم، إذ ‏دخلت التعديلات التي أقرها البرلمان في سبتمبر أيلول الماضي على قانون الإفلاس حيز التنفيذ ‏في 25 تموز (يوليو)، ما يعني إلغاء أحقية الجهات الدائنة في إجراء ضبط وإحضار بحق ‏المدينين في دين مدني.‏

وقال الدكتور فواز خالد الخطيب الأستاذ المساعد في كلية القانون الكويتية العالمية إن أصحاب ‏المشروعات الصغيرة والمتوسطة من بين المستفيدين من نفاذ هذا القانون الذي "يمنع صدور ‏أوامر حبس ضد المدينين".‏

لكن الخطيب يرى أن ثمة مخاطر قائمة، حيث يمكن اتخاذ إجراءات للحجز في حق شركاتهم ‏وفي حقهم عبر التحفظ على الحسابات المصرفية والمنقولات والسيارات والعقار ومنع السفر، ‏فضلا عن إمكانية إشهار الإفلاس.‏

وقال عبد العزيز المبارك رئيس الاتحاد الكويتي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة إن 8600 من ‏أصحاب المشاريع البالغ عددهم 15 ألفا يتحولون حاليا من العمل بالقطاع الخاص إلى الحكومي ‏‏"نتيجة لغياب الدعم لهذا القطاع".‏

وأوضح المبارك أن أرباب الأعمال استبشروا خيرا بقانون الضمان المالي الذي جاء بعد نحو ‏سنة من الأزمة، وكان من المفترض أن يخرج قبل ذلك "ثم تفاجئنا أن لا أحد يلبي شروط ‏القانون".‏

وحذّر المبارك الذي يملك شركة لتجارة الملابس الجاهزة من أن استمرار هذا الوضع "سوف ‏ينهي القطاع كله... ونحن نستشعر الخطر من هذه الناحية".‏ انقر هنا